في ظل الغلاء المعيشي المستفحل، والذي يطال جميع المواد الاستهلاكية الأساسية، تبرز حاجة إلى وجود سلع محلّية بديلة تكون أرخص على المواطن، ومنافِسة للمنتج المستورَد. لكنّ الأهمّ، أن تكون بمتناول الجميع وفي المحال التجارية كلها. نتحدّث عن مساحيق التنظيف والغسيل، والمواد الكيميائية المصنَّعة كالصابون والشامبو التي باتت تُثقل كاهل المواطن. هي مصاريف أساسية لا يمكن التغاضي عنها. خلال البحث عنها، يبقى للمنتَج المستورَد الحصة الأوسع في المتاجر والسوبرماركات. لذا، ربّما هي الفرصة المناسبة ليدخل المصنّعون بقلبٍ قوي إلى الأسواق المحلية على أوسع نطاق.
جولة “النهار” على بعض السوبرماركات والمحال التجارية لمعرفة حصة المساحيق اللبنانية في السوق المحلية، ومدى الإقبال عليها في هذه الظروف بالتحديد.
عند زيارتنا سوبرماركت “Coop”، يلاحَظ بعض العلامات التجارية اللبنانية على الرفوف في ما يتعلّق بالمنتَوجات المذكورة. هي بعض من العلامات التي كوّنت اسماً في السوق المحلية، وينحصر عددها بـ 3 علامات للعناية بالشعر، واحدة كمسحوق للتنظيف وسائل للجلي، واثنتان كجل للاستحمام وشامبو وصابون. في هذه الأيام بالتحديد، يكثُر الطلب على هذه المنتوجات لأنّها الأرخص، فالزبون، مهما كانت قدرته الشرائية، أصبح يفكر بالتوفير، على ما يشرح مدير السوبرماركت. فمثلاً ماركة “Elsada” هي ماركة لبنانية ومشهورة في السوق المحلية وثمة إقبال على منتوجاتها في هذه الأزمة لأنّها زهيدة الثمن. وكان هناك مسحوق غسيل عربي يُصنع في صيدا، وكانت الـ 4 كغ منها بـ 12 ألف ليرة وكان الناس يرغبونه ويشترونه، لكن بعد الثورة، توقّف المصنع عن الإنتاج.
في سوبرماركت “Spinneys”، نجد عدة علامات تجارية محلية من هذه المساحيق، لا سيما علامة “سبنيس” الخاصة بالمؤسسة والتي تنتج السلع الاستهلاكية كافة، وضمنها المواد الغذائية. في هذه السوبرماركت، هناك مساحيق لبنانية للجلي والغسيل ولمسح الأرضية والزجاج. “زاد الطلب على هذه المساحيق منذ انتشار كورونا في لبنان، ويثق اللبناني بالمنتج المحلّي وبنوعيته، فهو منافِس لأنّ المواد الخام جميعها مستورَدة من أوروبا. لكن إجمالاً، في لبنان الصناعة هي تحويلية، أي تحويل المواد الأولية إلى منتج وليس صناعة من الصفر”، يفيد المدير التنفيذي للتسويق في “Spinneys” رالف القاعي.
أمّا في “مول” لبيع الأدوات المنزلية والغذائية وغيرها في منطقة الجناح، حيث يُعتبر أساساً، مكاناً أوفر من غيره من حيث الأسعار، وذلك ما قبل أزمة الدولار. مكانٌ يقصده جميع طبقات المجتمع، ويعرض على رفوفه علامات تجارية محلية عديدة، جزء منها لم نره في السوبرماركات، وهي ذات أسعار جيدة نسبةً إلى المنتَج المشابه المستورَد. فمثلاً، مسحوق غسيل محلي يحتوي على 7 كغ، ثمنه 56 ألف ليرة لبنانية، بينما المستورَد الذي يحتوي على 6 كغ، ثمنه 66 ألفاً. يعرض المول 7 علامات محلّية من الشامبو، واحدة من مسحوق الغسيل، و7 علامات بين صابون وسائل استحمام ومساحيق جلي وتنظيف. ويظهر على رفٍ من رفوف مساحيق الغسيل، أنّ رف المنتَج المحلّي شبه فارغ، إذ يبلغ سعر الـ 4 كلغ منه 32 ألفاً. “السلع المحلية من هذه المساحيق يكثر الطلب عليها هنا، ولكن ليس كلّها، وزبائننا لا يفضلّون كثيراً المنتج المحلي من حيث النوعية، فهم يركّزون أكثر على المواد الغذائية”، يقول مدير المول، إذ المسحوق المحلّي هو من الاقل ثمناً.
وفي جولة في متجر شبيه بالسابق في منطقة بئر حسن، نرى بعض المساحيق اللبنانية الذي لم نره في أي من المحال التي جلنا فيها، وهي ذات أسعار رخيصة. فمسحوق تنظيف محلّي متعدّد الاستخدام ليتر أو ليتر ونصف ليتر ثمنه 5000 ليرة، وهو الأرخص بين جميع المساحيق في المحل. لكنّ العلامات اللبنانية التي يعرضها محدودة، فهو يعرض أيضاً المساحيق الأردنية والسورية كما الأجنبية.
ازدياد الطلب على المساحيق المحلية
صناعة هذه المساحيق موجودة، ولكن بإمكانات قليلة، و”للأسف الدولة تعدنا منذ 8 أشهر بمساعدة الصناعيين وإعطائهم أسعاراً تفضيلية ودعم الدولار، لكنّنا لم نصل إلى شيء ملموس أو إيجابي بعد”، يشير نقيب المصنعين الكيميائيين، غابي تامر.
ينقص هذه الصناعات حالياً المال. ففي ظل الغياب التام لدعم الدولة لهذا القطاع، كانت البنوك تقرض المستثمرين، امّا الآن فأوقفت القروض. كما ينقصها مواد أولية، فجميعها تُستورَد بالدولار، وبالأخص ينقصها دعم لتصديرها. وفي هذا الإطار، للسفراء اللبنانيين دور في مساعدة الصناعة البنانية والتشجيع عليها لتقوية التصدير، فالصناعة تساعد الاقتصاد وتفتح أبواباً وأسواقاً جديدة.
وتُعتبر جودة المنتج المحلي عالية من مساحيق تجميل وتنظيف وأدوية، فهي حائزة على الـ ISO ومصدّق عليها، ومن واجب الدولة دعمها في الأسواق الخارجية والداخلية.
وقد زاد الطلب على المنتج المحلي في الأسواق المحلية في الوقت الراهن. وهذه المساحيق موجودة في السوبرماركت، وحالياً يزيد انتشارها والتسويق لها كثيراً، وفق تامر. ويلجأ الأفراد، كما السوبرماركات، إلى المساحيق المحلية حالياً، لأنّ القدرة الشرائية تقلّصت.
الثقة بالمسحوق المحلي يعود إلى رخص ثمنه
آراء الزبائن تباينت في هذه المحال. ثمّة ثقة متأرجحة في المنتوج المحلي من البعض، والبعض الآخر لا يهمّه سوى الأرخص. “أنا أبحث عن المنتوج اللبناني منذ بعد الثورة، ليس فقط في هذه المساحيق، إنّما أيضاً في المواد الغذائية، فبتّ أسأل رفيقتي إذا ما جرّبت نوعاً جيداً لأجرّبه، ولا مشكلة لديّ مع المنتوج اللبناني فأنا أثق به”، ترى سيدة تضع الخبز في العربة. وأخرى تبحث في البراد وتقارن الأسعار وتجيب: “جميع السلع ارتفعت أسعارها، وأصبح الاستهلاك كلّه لبنانياً” .
سيّدة تائهة بحثاً عن الأسعار لغيابها عن الرفوف نتيجة عدم ثبات سعر صرف الليرة في مقابل الدولار يومياً، تردّ: “مهما يكن المنتوج، المهم أن يكون الأرخص، وأنا أستهلك المنتوج المحلي حالياً”. وفي المحل نفسه، تسرد سيدة أنّه لا غنى عن المطهّر ومسحوق الغسيل المستوردَين، فهي مضطرة إلى أن تشتريهما، لكنّها تحرص في باقي المساحيق على أن تكون لبنانية لأنّها أرخص. وفي متجر آخر، سيّدة تحمل أغراضاً وتلفت إلى أنّها موّنت المساحيق منذ اندلاع الثورة، لكنّها لا تدري ماذا ستشتري عندما تنفد هذه الكمية لأن لا ثقة لها بالمنتوج المحلي. “نريد الأرخص، وفي نهاية الأمر هو صابون وجميع الصابون يشبه بعضه، فأنا أشتري المنتوج البناني طبعاً لأنّه أرخص” تقول زبونة. وأخرى تتّجه لتدخل إلى المتجر، تشتري المنتوج اللبناني لكونه الأرخص وذا نوعية جيدة.
(النهار)