للأسف، إنّ وضع النساء في لبنان، ليس على أفضل حال. فالقلق، بات يرافقهن مع اقتراب الدورة الشهرية، نتيجة غلاء الفوط الصحية التي “دوبل” و”تربل” سعرها، أو بسبب انقطاع النوع الذي يناسب جسم كل امرأة، أو نتيجة التقنين الذي لم يقتصر فقط على التغذية الكهربائية و”الموتور”، بل شمل عدداً من الفوط الصحية المسموح شراؤها، ما يعرض بعضنا لشتّى انواع الحرج، ناهيك عن الالتهابات الناتجة عن اللجوء الى طرق بديلة تناسب وضعنا الحالي. في المقابل، فإن قرارات الحكومة اللبنانية التي حددت حديثاً بعض السلع الأساسية لدعمها، زادت “الطين بلة”، اثر تجاهلها لحاجات النساء، ولا سيما بعد أن توزّعت السلة على فئات ثلاث: مواد أولية زراعية، مواد أولية صناعية، سلع مستوردة جاهزة للاستهلاك، وأضيفت إليها اللحوم ومشتقاتها، منتجات دهنية، مكسرات، حليب وبعض السلع الاستهلاكية مثل مساحيق التنظيف، القفازات، معجون الأسنان، المحارم الورقية…
والمفارقة أنه تم إدراج شفرات الحلاقة الرجالية في السلة المدعومة، في حين غابت عنها الفوط الصحية، الأمر الذي أثار غضب وحفيظة النساء واحتجاجهنّ على سياسة التمييز الجنسي. فتعلّق رنا، وهي شابة عشرينية على هذا الموضوع قائلةً: “يمكن للرجل، الاستغناء عن شفرة الحلاقة اذا اضطر، أو يمكنه استعمال الشفرة مرات عدّة، ولكن هل يمكنني استعمال الفوطة، لاكثر من مرّة، أو هل يمكنني الاستغناء عنها”؟ تؤيدها اليان، مضيفةً: “ارتفع سعر علبة الفوط التي كنت اشتريها بـ3500 الى 12500 ليرة لبنانية، وأنا احتاج الى علبتين اقله شهرياً، فأجد نفسي مضطرة الى استبدال النوع الذي يناسبني، بنوع آخر يسبب لي الحساسية ولكنه ارخص بـ4000 ليرة، قائلةً: “شو فيني اعمل غير هيك، بحط قماش مثل ايام زمان”؟
الضغط يولّد دعماً
وزير الإقتصاد راوول نعمه، كان قد ردّ في تصريح له عبر وسائل التواصل الإجتماعي على ما يتم تداوله عن عدم وضع الفوط الصحية من ضمن المواد المدعومة في السلة الغذائية، مؤكداً أن “هذا الموضوع غير صحيح، دعمنا المواد الأولية الصناعية الداخلة في صناعة الفوط الصحية وذلك دعماً للانتاج الوطني على حساب السلع المستوردة من الخارج”. وفي معلومات خاصة لـ”نداء الوطن”، تبين أنّ دعم المواد الاولية لصناعة الفوط لن يخفض سعرها، فمثلاً تسعر شركة “سانيتا”، سلعها على سعر صرف 3000 ليرة لبنانية، بينما تدعم الدولة السلع على قيمة 4000 ليرة، وبالتالي صحيح أنّ دعم سلع التصنيع شمل المواد الاولية، ولكن يبقى سعر الشركة ارخص، ما يؤكد بقاء اسعار الفوط على حالها، أقله حتّى الساعة”.
وفي هذا السياق، تعلق الناشطة في مجال الحقوق الجندرية علياء عواضة على هذا الموضوع، قائلةً إنّه “لو لم يتم الضغط على مواقع التواصل الاجتماعي لما كان الوزير، سيصرح بدعمه للمواد الاولية”. وتوضح أنّ “معظم قوانين وقرارات الحكومة اللبنانية مجحفة بحق النساء ولا تأخذ في الاعتبار هواجسهنّ. ولعلّ العنف الذي تعرضت له النساء في فترة الحجر المنزلي، خير دليل على ذلك، وخصوصاً بعد ان رسمت لجنة الطوارئ خطة غير متحسسة جندرياً في هذا المجال، رغم أنّ النساء والاطفال هم الاكثر تهميشاً وضعفاً في اي نوع من الازمات. من هنا يمكننا القول إنّ القوانين التمييزية في لبنان، واضحة. وفي ظل ارتفاع نسبة البطالة التي يعاني منها الجميع في لبنان، ومن ضمنهم النساء، نرى من يدعم شفرات الحلاقة ويستثني الفوط الصحية. ويقولون لنا إنّ “البلد يمر بأزمة حقيقية، وأنتو بشو بالكن”، فنجيب: “بالطبع سنهتم بأبسط حقوقنا، فاذا كانت الدولة عاجزة عن تأمينها لنا، فهل بقدرتها حلّ مشاكلنا الأكثر جدّية؟
“دورتي”… لمحاربة فقر الدورة الشهرية
بشكل عام، تحتاج الأنثى كل 28 يوماً تقريباً إلى علبتين من الفوط الصحية، بالاضافة الى قارورة من الغسول النسائي للعناية اليومية في المنطقة الحميمة، ومسكنات الألم. وفي وقت تغيب الدولة عن تحمل مسؤوليتها ومساعدة النساء على تأمين حاجاتهن، تؤكد لنا المبادرات الفردية أنّ لبنان وطن مميز بالتكاتف الاجتماعي بين أبنائه، ولعل مبادرة “دورتي” خير دليل على ذلك، اذ أطلقت كلّ من لين مصري ورنا حداد، هذه المبادرة لمساعدة النساء اللواتي يجدن صعوبة في الوصول إلى الموارد اللازمة لشراء الفوط الصحية، وغيرها من مستلزمات الدورة الشهرية. وعن فكرة هذه المبادرة تقول لين مصري: “لطالما فكرت بحالة المرأة الفقيرة مع اقتراب الدورة الشهرية.
ومع تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي ولا سيما بعد انتشار الكورونا، لاحظنا أن المساعدات بمعظمها متعلقة بالمواد الغذائية والمعقمات. ورأينا أنّ لا أحد يفكر فعلياً بالمرأة وحاجاتها. من هنا اطلقنا مبادرة “دورتي”، بهدف محاربة فقر الدورة الشهرية، من خلال جمع التبرعات المتعلقة بمستلزمات فترة الحيض من المتبرعين والمتبرعات وتوزيعها الى الجميعات التي تهتم بتوزيع الحصص الغذائية مثل بيت البركة، بسمة، كفى، مريم ومرتا، وشعبي مسؤوليتي. كذلك، نحن في صدد تنظيم حملات توعية لكسر حاجز الخوف والسماح للفتيات بالتحدث في العلن عن المرّة الاولى التي اختبرن فيها العادة الشهرية. وعن تفاصيل عملنا، نجمع السلع النسائية التي تحتاجها كل امرأة لتعيش “بكرامة” خلال دورتها الشهرية، وتتضمن كل “Menstruation kit” أو عدّة الدورة الشهرية 20 فوطة صحية مخصصة للدورة الشهرية والاخرى التي تستعمل يومياً، بالاضافة الى مناديل الاطفال لعجز النساء في المناطق الفقيرة عن الحصول على مياه نظيفة. وكنّا نطمح ايضاً بتوزيع مسكنات الالم، لكننا توقفنا عنها بعد اكتشافنا أنّه من الممنوع توزيع الادوية”.
تبرّعوا بالفوط الصحية
تمكنت “دورتي” من تأمين مستلزمات الدورة الشهرية لحوالى 400 امرأة في كل المناطق اللبنانية بعد مرور شهرين فقط على إطلاقها، ويتم التسويق لها عبر موقع”انستغرام” (dawrati.lb) فقط من دون ” sponsors”، ما يزيد من التحديات. وتطمح لين ورنا، الى ترويج منتجات الدورة الشهرية القابلة لإعادة الاستخدام مثل “كأس الحيض” (الـcups)، من خلال مضاعفة جهودهما في ما يخص حملات التوعية، والتأكد من تطبيق إجراءات النظافة. وبحسب مصري “تمثل الدورة الشهرية تحدياً بحدّ ذاتها لكل امرأة تعاني من الاوضاع المعيشية الصعبة، ونحن بدورنا يقلقنا هذا الموضوع، إذ ترتكز الحصة الاكبر من التبرعات على الطبقة المتوسطة التي تفكر حالياً بنفسها أكثر من أي موضوع آخر”. أمّا بالنسبة لطرق التبرع، فتقول مصري: “لا نقبل المساعدات المادية، بل فقط التبرعات التي تشمل الفوط الصحية من كل الانواع والماركات وبطانة الملابس الداخلية والمناديل المبللة، عبر ارسالها مباشرةً إلى موقعي في الاشرفية أو الى رنا حداد في سن الفيل، أو عبر التطبيقات التي تقدم خدمة التوصيل إلى المنازل مثل “961home”، “Toters”، “noknok ” أو من خلال “Pharmacie du quartier” في الأشرفية، ليتم جمعها وتوزيعها لاحقاً. والى كل من يرغب بالتبرع او الحصول على التبرعات الاتصال على رقم التالي “70488367”، أو مراسلتنا عبر بريدنا الالكتروني: “dawrati.lb@gmail.com”.
(نداء الوطن)