ارتفعت أسعار مختلف أصناف الحليب في الفترة الأخيرة بشكل جنوني بدرجات متفاوتة، خصوصاً بعضها الذي باتت شريحة كبيرة من اللبنانيين عاجزة عن شرائه. بالنسبة إلى الأهل يمكن الاستغناء عن أمور كثيرة في الحياة والتكيّف مع النمط الجديد الذي يفرضه الوضع الاقتصادي المتردي. أما غذاء أطفالهم فيبقى خطاً أحمر لا يمكن تخطيه. فهل يجوز أن ترغمهم الظروف عن الاستغناء عن الغذاء الاساسي لأطفالهم؟ وهل يعتبر التبديل في الأصناف حلاً صحياً مناسباً للطفل عامة بغض النظر عن أسعارها؟ أسئلة كثيرة تراود الأهل في هذه المرحلة وهواجس حول قدرتهم على تأمين الغذاء الحيوي لأطفالهم الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
قاربت أسعار أصناف عديدة من الحليب هي الأكثر استخداماً في لبنان الـ 70000 ليرة لبنانية بأحجامها الكبيرة، مما تسبب بحالة من الهلع بين المواطنين الذين لم يخطر في بالهم يوماً ان تصل الأمور إلى حد يجدون فيه أنفسهم عاجزين عن تأمين الحليب لأطفالهم وهو الغذاء الأساسي لهم. يتجه البعض إلى استبدال صنف الحليب الذي لطالما أعطوه لأطفالهم بآخر لاعتباره أقل ثمناً. فلم تعد النوعية هي الأساس والمكونات المغذية معياراً، فبات الاختيار على أساس السعر والقدرة الشرائية التي شهدت انهياراً واضحاً لدى المواطنين اللبنايين. ولأن الأسعار كلّها ارتفعت بدرجات مختلفة لم يكن التبديل ممكناً لكثيرين، فاضطر البعض إلى وقف إعطاء الحليب لأطفالهم راضخين للأمر الواقع ولعدم قدرتهم على تأمينها لهم.
لنورا ثلاث طفلات بلغت الكبرى سن 5 سنوات وعلى الرغم من أنها أعطت طفلتها البكر الحليب حتى سنّ الثالثة وكانت تنوي أن تقوم بالمثل مع طفلتيها الصغيرتين، تنوي وقف الحليب لطفلتها الصغرى في الشهر المقبل بعد بلوغها عمر السنة لأنه لم يعد بمقدورها شراء حليب “نيدو” الذي ارتفع سعره بشكل جنوني ولا حتى “نوفالاك” الملائم لسن طفلتها الصغيرة بعد أن زاد سعره إلى ما يتخطى ضعف ما كان عليه. فالحل الوحيد بالنسبة لها هو التركيز على مشتقات الحليب لتأمين الحاجات الغذائية لطفلاتها نظراً للأوضاع الحالية آملةً أن يكون ذلك كافياً لهن بغياب الحليب الذي اعتدن تناوله والذي لطالما اعتُبر الغذاء الأساسي للأطفال.
في الرأي الطبي… هل يمكن الاستغناء عن الحليب للأطفال؟
لم نتصور يوماً فكرة الاستغناء عن الحليب لأطفالنا، لكن الظروف حكمت بذلك بالنسبة إلى كثيرين لارتفاع أسعار الحليب وتراجع القدرة الشرائية لدى اللبنانيين ما فرض عليهم الرضوخ للواقع المر بغض النظر عن قناعاتهم وأولوياتهم ورغبتهم بالتضحية في سبيل تأمين غذاء أطفالهم. وحول إمكان الاسغناء عن الحليب كغذاء أساسي للأطفال، تحدث إلى “النهار” طبيب الاطفال الدكتور روني صياد موضحاً أن الحليب البودرة الذي يتناوله الأطفال هو عبارة عن حليب بقر معدّل ليناسب حاجات الإنسان وبتركيبة تكون اقرب إلى حليب الأم. وفي السنتين الأوليين يشدد على أهمية تناول الطفل الحليب المخصص للأطفال. أما بعد هذه السن فيجب عدم الاستمرار فعلاً بإعطاء الطفل الحليب بنفس الوتيرة، فالأهم هو تأمين الغذاء المتكامل له من خلال نظام غذائي متنوع مناسب للأطفال. ولمن يستمر بإعطاء الحليب لأطفالهم، فيكون الاختيار على أساس لائحة المكونات الغذائية التي فيه ويكون الحليب مدعماً بالدهون المشبعة وبالـProbiotics بشكل أساسي أياً كان صنفه وحتى في حال اتخاذ قرار تبديل صنف الحليب المعتاد.
في كوب الحليب سعة 250 ملل 330 ملغ من الكالسيوم ما يمكن تأمينه في علبة من اللبن أو في قطعتين من الجبنة القابلة للدهن أو في 6 ملاعق من اللبنة.
يؤكد أيضاً طبيب الأطفال الدكتور جيرار واكيم ألا مشكلة في مبدأ التبديل بين مختلف أصناف الحليب لاعتبار أن بعضها أقل كلفة من أخرى، معتبراً أن السعر ليس معياراً لنوعية الحليب.
ويوضح أن أصناف الحليب تقسم من الولادة إلى سن 6 اشهر ومن 6 أشهر إلى عمر السنة وما بعدها، وهنا يكون الاختلاف عن الأصناف التي هي لما بعد هذه المراحل. أما الأصناف في ما بينها فلا تختلف أبداً بغض النظر عن سعرها وهي تؤمن محصولاً إضافياً من الوحدات الحرارية للطفل عند الحاجة، مشدداً على ضرورة التركيز على المعدل الطبيعي لنمو الطفل وحجمه. أما إذا لم تكن لديه أية مشكلة في النمو فيمكن التبديل وبعد السنتين لا مشكلة في وقف الحليب بالوتيرة الكبيرة والتركيز على مشتقاته وعلى الغذاء المتوازن والمتنوع لتأمين حاجاته الغذائية كافة.
(النهار)