هذا الارتفاع الجنوني والمخيف في أعداد الإصابات اليومية بفيروس كورونا بدأنا نلمس تداعياته ونحصد نتائجه يوماً بعد يوم. عوامل الخطر تزيد نتيجة الانتشار المحلي للفيروس، يبدو أنه يصعب الهروب من هذا الواقع الذي بات حقيقة مرّة علينا التعامل معها بطريقة أكثر حزماً وجدية. وما كان محتملاً أصبح ثابتاً، والفئات على اختلافها معرضة له بطريقة أو بأخرى. صحيح أن الدراسات لم تحسم الجدل والنقاش حول نقل الفيروس من الأم المصابة إلى الجنين، إلا أن اصابة الحامل بالفيروس يُرخي بظلاله على المجتمع اللبناني خصوصاً بعد تسجيل 49 حالة ايجابية للحوامل في شهر واحد. هل علينا أن نقلق؟ وما الذي يجب معرفته؟ وما هي مخاطر الولادة المبكرة ونتائجها على الجنين؟ كل هذه الأسئلة سنُجيب عليها مع رئيس اللجنة الوطنية للكورونا والحمل الدكتور فيصل القاق.
يوضح الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد والصحة الجنسية ورئيس اللجنة الوطنية للحمل وكورونا الدكتور القاق في حديثه مع “النهار” أن “ارتفاع الإصابات في الأسابيع الأربعة الماضية بشكل كبير (لامست الـ700 اصابة يومية) يعكس درجة الانتشار وعدم الالتزام والانضباط بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة. هذا الارتفاع المتزايد كشف نقصاً ووجود ثغرات في الترصد والتعقب لتحديد المخالطة والإصابات، وبالتالي كلما ارتفعت الأرقام سترتفع معها نسبة الشرائح المختلفة التي قد تُصاب بالكوفيد_19 ومن بينها النساء الحوامل. والدليل على ذلك، أننا سجلنا 43 اصابة منذ ظهور الفيروس حتى شهر آب، وسجلنا في شهر واحد (شهر آب) 49 حالة ايجابية عند النساء الحوامل، والذي يعتبر منطقياً بالاستناد إلى الأرقام اليومية التي يُسجلها لبنان مؤخراً.
وتظهر الدراسات والأبحاث السابقة أنه لا خوف على الحامل من نقل العدوى إلى الجنين برغم من وجود بعض الدراسات التي أثبتت احتمال نقل العدوى من خلال 3-4 حالات مشتبه بها (انتقال عمودي من الأم الى الجنين) إلا أن هذه الحالات لم تتكرر ولم يتمّ إثباتها مع حالات أخرى، ولكن من الضروري أن نعرف أن الوقاية قاعدة اساسية وواجبة عند المرأة الحامل.
ويشير القاق إلى أن “اللافت كان في الدراسة التي صدرت في الأيام الماضية، (وتعتبر من أكبر الدراسات التي استندت إلى المراجعة وتحليل الدراسات السابقة حول الحوامل والكوفيد_19) أن عوارض الإصابة عند الحوامل هو أقل ظهوراً وحدية من النساء غير الحوامل، بلغت معدل الإصابات 10%.
في المقابل، الأمر الذي يستحق التوقف عنده، أن الدراسة أظهرت أن نسبة الاستشفاء عند النساء الحوامل المصابات بالفيروس كانت مرتفعة، ما يعني أنه برغم من أن مخاطر الإصابة أقل، إلا أن حدّيتها قد تكون أعلى وتستوجب العناية الفائقة خصوصاً اذا كانت المرأة تعاني من مشاكل مرضية كالسكري والضغط والبدانة وغيرها…
كذلك كشفت الدراسة ارتفاع معدل الولادة المبكرة نتيجة الإصابة بالفيروس حيث بلغ 17% في حين أن معدل العام العفوي يتراوح بين 6 إلى 9%، ما يُشكّل زيادة في الولادة المبكرة وعبء إضافي على الحضانات في العناية الفائقة لحديثي الولادة، والتي تستوجب العمل على خريطة بعدد الأسرّة وتوزعها المتعلقة بالعناية الفائقة لحديثي الولادة نتيجة الطلق المبكر وتأمينها في ظل النقص الذي نعانيه أصلاً في هذا الموضوع. يفرض هذا الواقع أعباءً إضافية إلى جانب الأعباء والضغوط التي تحتم علينا معالجة الحامل المصابة بكورونا والاهتمام بها وبالجنين على حدّ سواء.
ويشدد القاق كرئيس لجنة وطنية للكورونا والحمل على أن “اللجوء إلى الارشادات والبروتوكلات التي أصدرتها اللجنة وتمّ توزيعها على كل أطباء النساء والقابلات والمستشفيات في لبنان، والتأكيد على ضرورة الإستعداد والجهوزية لإدارة ومعالجة والاهتمام المتزايد ليس فقط للمصابين بالفيروس وانما أيضاً للحوامل التي ترتفع نسبة اصابتهن بالكورونا. ومن المهم الإشارة إلى أنه في ظل عدم جهوزية كل المستشفيات لمعالجة مرضى كوفيد_19، نعاني أيضاً من جهوزية أقل للإحاطة بموضوع الحامل المصابة. لذلك تعتبر صرختنا اليوم بمثابة نداء وتنبيه حتى نكون على جهوزية لمواجهة هذه الإشكالية وهذا الموضوع المستجد في عدد الإصابات المرتفع”.
ويتوجّه القاق إلى النساء بالقول “ليس هناك خطر داهم وواضح على الجنين سببه إصابة الأم بالفيروس، ولا عائق أمام الرضاعة شرط أن تكون وفق الشروط والاجراءات الوقاية والحماية من خلال ارتداء الكمامة وغسل اليدين، بالإضافة إلى تقليص عدد الزيارات إلى الطبيب إلى 4 ومتابعة الطبيب عبر خدمة الاونلاين. وبالتالي تبقى الوقاية الحل الأكثر فعالية لحماية نفسها والجنين، بالإضافة إلى أهمية المحافظة على النمط الصحي من خلال نظام تغذية سليم والابتعاد عن كل العوامل والمحيط الذي قد يُعرضها للعدوى على اختلافها، خصوصا التباعد الاجتماعي والتمتع بأسلوب حياة صحي جسديًا ونفسيًا قدر الإمكان في هذا الوضع الدقيق. كما وننصح الحامل بالتواصل مع مقدم الرعاية حول اَي عوارض او شكوك محتملة”.
أما بالنسبة إلى ضرورة إجراء فحص الـPCR عند المرأة الحامل قبل الولادة أو الطلق المبكر، لا يُخفي القاق ان هذا السؤال كان موضوع بحث ونقاش طويل، هناك دول عدة تقوم بما يُسمى Universal Screening (اجراء عام لكل فرد) أي كل حامل ستلد قريباً او تعاني من طلق مبكر أو حالة طارئة عليها إجراء فحص الكورونا. ولكن في لبنان ليس هناك قرار إلزامي يفرض على كل حامل إجراء الفحص ولكن يوصى ويستحسن اجراؤه كوقاية واحتياط وهناك بعض المستشفيات التي تعتمد هذا النموذج، في حين أن بعض المستشفيات لا تجري الفحص إما لأسباب مادية أو لأنها لا تستقبل حالات كورونا.
(النهار)