«القصبة» و«الكبّة النيّة» و«الفراكة» باتت «من التاريخ». بين ليلة وضحاها، تحوّل معظم اللبنانيين والمقيمين إلى «نباتيين»، بعدما أسقطوا اللحمة من موائدهم، لا بفعل قرارٍ شخصي، وإنما بسبب الغلاء الفاحش الذي طال أسعارها وأدى إلى «اختفائها». مع كل «طلعة» للدولار، في كل «طلعة شمس»، ترتفع أسعار اللحوم، حتى زادت ثلاثة إلى أربعة أضعاف عما كانت عليه «أيام العزّ»، عندما كان الدولار يساوي 1500 ليرة. صحيح أن جنون الأسعار طال معظم القطاعات، إلّا أن قطاع اللحوم كان الأكثر تأثراً لاعتماده أساساً على الاستيراد. هكذا طارت أسعار اللحوم، بدءاً من لحم البقر الذي ارتفع سعره من 15 ألف ليرة قبل الأزمة، إلى 55 ألف ليرة، فيما تخطّى سعر كيلو لحم الغنم الـ 75 ألفاً. وهي أسعار مرشّحة للارتفاع كلّما «شطح» سعر صرف الدولار الذي تخطّى أمس الـ 10000 ليرة في السوق السوداء. وهكذا، بات استهلاك اللحوم ترفاً، وعاد كثيرون إلى شرائها بـ«الأوقية» لـ«تنكيه الطبخة» فقط.
بين 50 و60 في المئة من الملاحم أغلقت أبوابها بعدما لم يعُد في مقدور أصحابها الشراء بالدولار من التجار والمسالخ. فيما بدأت ملاحم عدة تشترك في ذبح عجل واحد يستغرق بيعه أياماً عدّة! نقابة القصابين وتجار المواشي أعلنت التوقف عن شراء المواشي، إذ «أننا نستورد بالدولار الأميركي 100%»، يقول النقيب معروف بكداش. وبما أن «الدولار مفقود لدى المصارف وشبه مفقود لدى الصرافين، والدولة غائبة كان القرار بوقف الشراء». وهو قرار أملته لامبالاة الدولة تجاه مطالب القطاع، ناهيك عن أن السلة المدعومة التي أقرتها وزارة الاقتصاد، أخيراً، لم ترضِ هؤلاء. إذ يؤكّد نائب رئيس نقابة تجار اللحوم في لبنان، عبد الغني ملاح، «أن توزيع الدولار المدعوم يقوم على أساس المحسوبيات، وهذا ما يحدث عندما سلّموا رقاب اللبنانيين للصرافين»، مشيراً إلى أن «تجار المواشي واللحوم توقفوا عن الشحن من الخارج.

اليوم يصرفون من المخزون الذي بالكاد يكفي شهراً ونصف شهر». وبعد ذلك؟ يجيب: «ستحلّ الكارثة على القطاع عندما نضطر للشراء وفق سعر الصرف في السوق السوداء بعد نفاد المخزون (…) إذا أردنا شراء دولار فريش اليوم من السوق السوداء وفق سعر السوق، فسنكون مجبرين على بيع كيلو اللحم بـ100 ألف ليرة»!