“كلو وما ينتزع شي بالبيت مش وقتها هلق”، عبارة يردّدها معظم اللبنانيين اليوم، الذين لم يعد باستطاعتهم تحمّل أعباء عِطلِ أي شي، سواء أكان براداً أو سخّاناً أو غسالة وما شابه، فمع ارتفاع سعر صرف الدولار ارتفعت أسعار كافة السلع والخدمات، وكذلك بدل أتعاب المصلح، وبما أن القسم الأكبر من اللبنانيين يقبضون رواتبهم بالليرة وليس بالدولار، فإن أي عطل سيكلّفهم ما لا يقل عن ربع راتبهم، فيكف يتعاملون مع الأمر؟ وماذا يقول المصلحون.
القهر بحد ذاته
بغضب شديد تحدث أبو عمر (سمكري)، يعمل في تصليح الغسالات، عن الغلاء الفاحش الذي أثر كثيراً على عملهم، إذ قال: “القطعة التي كانت بـ 500 ليرة، أي نصف سانت، عندما كان الدولار بـ 1500 ليرة، رفع التاجر سعرها اليوم الى دولار على سعر صرف السوق السوداء”، لافتاً إلى أنه “طوال اليوم عملت في تمديد قساطر الماء الساخن في أحد المنازل. تقاضيت بدل أتعابي مئة ألف ليرة أي 10 دولارات، وأنا معلم في المصلحة، قصدت بشامون من بيروت بسيارتي، في حين أن التاجر باعني خمس قطع كان سعرها في السابق 50 ألفأ، بمئتين وخمسين ألفاً، أليس هذا القهر بحد ذاته؟!”، مشيراً الى أن “الأسعار يحددها التاجر من دون حسيب أو رقيب، والمواطن المضطر يجد نفسه مجبراً على الدفع”.
أسعار خيالية
“طلمبة غسالة سعرها 40 دولاراً ما يعادل 350 ألف ليرة، سكِر الزاوية كان سعره 3 دولارات، الأن خمسة دولارات، فهل هذا يعقل؟”، تساءل أبو عمر مشيراً الى أنه “كإنسان أشعر مع غيري في حين غلة التاجر في اليوم تصل إلى حوالي المية مليون ليرة”. وتطرق الى حادثة حصلت معه: “ضابط بالأمن العام أراد شراء قطعتين لتصليح مصرف غسالة، كوع وتلزيق سعرهما 20 دولاراً أي نحو 200 ألف، نظر إلي حزيناً، وقال: أنت يمكنك أن تعبّر عن إحباطك أما أنا فلا يمكنني إلا المحافظة على انضباطي، على الرغم من أن راتبي لم يعد يكفيني لخمسة أيام”.
لكن ماذا يفعل الفقراء حين يتعطل لديهم شيء، أجاب أبو عمر: “إذا لم يكن الامر ضرورياً فإنهم لا يفكرون بإصلاحه، لكن إن تعلّق الأمر بالغسالة على سبيل المثال أو انفلات الماء من كوع لا يمكن تأجيل إصلاحهما، وقد دفعت عائلة متواضعة 600 ألف ليرة مقابل تقوية ضخ طرمبة غسالة بعدما استدانت المبلغ”. وعن مدى تراجع عمله، قال: “93 بالمئة تراجع، ومن يتصل بي من الزبائن هم فقط المضطرون”.
“للجوء إلى المروحة إن اضطر الأمر”
ينطبق هذا الحال على المكيف حين يتعرض لعطل، حيث شرح أبو سمير: “المكيف الذي كان سعره 400 دولار أصبح بـ 500 دولار على سعر الصرف الذي يحدده البائع. متر النحاس كان 5 دولارات الآن 10 دولارات، تعبئة الغاز كان بين 30 و40 دولاراً الآن 120 ألفاً، الريموت كونترول كانت بـ 10 آلف الآن 30 ألفاً، في حين أن بالموبين للكومبراسور كان بـ 15 ألفاً الآن بـ50 الفاً، ما يعني إن تعطل المكيف من الأفضل اللجوء الى المروحة”، وعن بدل أتعابه، أجاب: “ما زالت تسعيرتي على السعر القديم، لا يمكنني رفعها، فمن دون ذلك لا أحد يتصل بي”.
العودة إلى زمن الأجداد
“مهما تعطل في المنزل لا يعنيني سوى التلفاز والبراد، أما بقية الاغراض فلن أبالي بتصليحها، بل لا أملك المال لذلك”، بحسب ما قاله حسين لـ”النهار”، لافتاً الى انه يعمل موظفاً بنصف راتب في إحدى الشركات، “لديّ ولدان، لا أتمكن من تأمين مصروف عائلتي لأكثر من نصف الشهر، قبل فترة تعطلت الغسالة، طلب المصلح 300 ألف ليرة، ركنتها جانباً، لتبدأ زوجتي بالغسيل على يدها، رجعنا الى أيام أجدادنا، ولا أستبعد أن نضطر للخَبز في المنزل في الايام المقبلة اذا ارتفعت الاسعار أكثر”.
استدانة لتصليح العطل
الأسبوع الماضي لمست هند عن طريق الخطأ الجهة الجانبية للبراد، شعرت بمدى ارتفاع حرارته، ضربت على رأسها خوفاً من أن يكون العطل الذي أصابه يحتاج الى مبلغ كبير لإصلاحه، سارعت الى الاتصال بوالدتها وأخبرتها بما جرى، طلبت منها ان تفصل عنه الكهرباء وتتصل بالمصلح، وشرحت لـ”النهار”: “حضر، كشف على البراد، أطلعني انه بحاجة الى موتير سعره 150 دولاراً كان الدولار بـ 5000 ليرة ما يعني 750 ألف ليرة عدا عن بدل أتعاب المصلح 100 ألف، استدنت من شقيقي وشقيقتي، ووجدت نفسي مجبرة على دين من اجل عطل كنا نعده في السابق صغيراً الا انه اليوم يكلف ما لا يتخيله عقل”.
انتظار انخفاض سعر صرف الدولار
“حنفية المجلى تهرّب الماء، كل فترة تحتاج الى تغيير كون المياه كلسية بشكل كبير، وبعد ان كان سعرها 30 ألفاً اي ما يعادل 20 دولاراً، الان اصبح ما يقارب 200 الف، شكلها مقزز لكن لا قدرة لدي على استبدالها الان”، قالت سعاد مضيفة: “المياه تظهر على ارض المطبخ، لا أعلم مصدرها، أكتفي بوضع قطعة قماش لامتصاصها الى حين عودة سعر صرف الدولار الى ما كان عليه، عندها أُقدم على تصليح أعطال المنزل”، مشيرةً: “لدي اربعة أولاد وزوجي عاطل عن العمل، الله وحده يعلم كيف ندبّر أنفسنا، ومع كل ذلك لدي أمل أنها غيمة سوداء حلت على لبنان وستعبر من دون عودة”.
(النهار)