من الأخطاء الموروثة التي تتربَّى عليها الأجيال ويجب أن نعيد التفكير بها؛ أن الأم الجيدة هي من تفعل كل الأمور لأولادها، بينما يستطيع الطفل منذ ولادته استنتاج ردود أفعاله – بكائه أو صراخه – ؛ وحتى تتأكدي راقبي طفلك: يبكي فتأتين وتحملينه، فيعرف الطريق في كل مرة يريد شيئاً، يبكي فتلبين له احتياجاته، ولاشك أن تربية الطفل على الاستقلال عملية معقدة، تحتاج إلى صبر وجهد من الأم، إذ لم تعد التربية اليوم تعني توفير الحاجات الأساسية من طعام وشراب وملبس ودراسة وإصدار للأوامر الصارمة فقط، إنما التركيز على شخصية الطفل ومستقبله هو ما يؤرق الأهل. عن سبل غرز العادات والمهارات المستقلة في الطفل منذ نعومة أظافره، ودور الوالدين في ترسيخ هذه الصفات تحدثنا خبيرة تربية الطفل الدكتورة ابتهاج طلبة
التربية في الصغر كالنقش على الحجر
- تبدأ منذ مولد الطفل والخطوة الأولى في استقلال الرضيع -مثلاً- هي النوم على سريره في غرفة منفصلة، مما يؤثر على نمو شخصية الطفل عند الكبر، وبالطبع على استقلاليته
- يوجّه الطفل ابتسامته الأولى إلى أمه في أسبوعه الثامن ، وعندما تردّ الأم على ابتسامة طفلها بفرح وحنان، فهو يكرر هذه التجربة الهامة بالنسبة إليه والتي تجعله يشعر بعاطفة أمه
- تبدأ الأم بتنمية المهارات الخاصة لطفلها بهذه المرحلة، فتبدأ بتقوية عضلات ذراعيه ويديه وأصابعه ليستطيع إمساك زجاجة اللبن وحده، وبعدها يستطيع أن يشرب الماء أو العصير في كوب مخصص وحده
- وعند نهاية عامه الثاني قدمي لطفلك العصير أو أي مشروب سيستطيع أن يستخدم الشفاط، اشتري له ملعقة مخصصة للأطفال وقدمي له مكرونة أو أرزاً أو خضراوات مسلوقة، واتركيه يكمل خطوات الاعتماد على نفسه ويتعلم كيف يأكل وحده
- ولكن هناك بعضا من الأطفال لا يحتاجون للتوجيه، فقد يُقلدّك طفلك بشكل تلقائي، ويحاول ترتيب سريره صباحاً، لكن بعض الأطفال سيكونون بحاجة للمساعدة والتوجيه
علمي طفلك وراقبيه
علمي طفلك أنه المسئول عن نظافة غرفته، كأن يجمع الألعاب بعد انتهائه من اللعب، وأن يضع ملابسه المتسخة في السلة، علميه كيف يفتح ويغلق الأزرار؟ وكيف يربط رباط الحذاء؟ درّبيه لتكون يداه مستعدتين، ثم راقبيه وهو يغلق أزرار قميصه وسيستطيع بعدها أن يربط حذاءه
سيتعلم طفلك إطعام نفسه بشكل أفضل، وسيكون قادراً على ترتيب أغراضه، بعدها علميه كيف يغسل أسنانه وحده؟ ويغسل يديه قبل الطعام وبعده؟ وراقبيه حتى يستطيع دخول الحمام دون حدوث إصابات
في هذا الوقت، سيكون طفلك مستعداً لتعلم استخدام الحمام بدلاً من الحفاضة، وستكونين قد أسستِ لبداية جيدة جداً في طريق استقلال طفلك، ويصبح مستعداً لخوض تجارب بمفرده، مثل دخوله
للمدرسة
هل أنت أم “هليكوبتر”.. مروحية؟
وهو مصّطلح عالمي يطلق على الأم التي تحوم حول طفلها، لا تتركه يفعل شيئاً بمفرده، إن أقدم على شيء اقتربت منه بنصائحها وتوجيهاتها وتحذيراتها، وكأنها تخاف أن تمنح طفلها الشعور بالراحة في تحمل المسؤولية عن حياته والتعود على الاستقلال، وحجتها فيما تفعل؛ الأمومة والحب والخوف والحرص عليه، وتنسى أن الطفل يرسم طريقه إلى الاستقلال الذاتي عبر علاقته بأمه وتعاملها معه والفرص التي تتركها له أو تقدمها له ليخوض التجارب الجديدة ،يتعلم منها فيستقل، فهل أنت أم مروحية؟
مواقف حياتية تدفع طفلك للاستقلال
-
أعطي لطفلك الفرصة لكي يختار. مثلاً: هل تريد أن تأكل الموز أم التفاح أم ماذا؟ إعطاء الطفل مثل هذه الخيارات البسيطة في باقي أمور حياته منذ صغره يساعده في تعلم مهارة اتخاذ قرارات
أظهري الاحترام لجهد ومحاولات الطفل عند أدائه أي عمل يقوم به، مثلاً: لا تقولي له: «لماذا تجد صعوبة في حل هذه الوظائف، إنها سهلة» ظنّاً منك أنك تشجعينه بكلامك هذا فالوظيفة قد تكون فعلاً صعبة، غيري هذه العبارة وقولي مثلاً: لا بد أنه لديك الكثير من الوظائف وهذا عمل يحتاج إلى جهد منك
لا تكثري من طرح الأسئلة عليه بشكل دائم ودفعة واحدة، فمثلاً لا تقولي له: هل أحببت الأطفال الآخرين في الصف؟ كيف كان أستاذك؟ هل أنهيت وظائفك؟ لأن ذلك قد يشعره بأنك تقومين باقتحام حياته الخاصة، عموماً الأطفال لا يتكلمون إلا عندما يريدون
لا تسرعي في الإجابة عن كل ما يطرحه من أسئلة، فمثلاً: لماذا يجب أن يعمل أبي كل يوم؟ بإمكانك أن تردي عليه بأن تقولي مثلاً: برأيك أنت ماذا تظن؟ فمن حقهم إعطاؤهم فرصة للتفكير بأسئلتهم والبحث عن الأجوبة بأنفسهم
شجعي الطفل على أن يطلب المساعدة في حال احتاجها من الأشخاص المحيطين به، يجب أن يعرف أن بإمكانه أن يلجأ إلى العالم المحيط به لتقديم المساعدة له في حل مشاكله خارج إطار المنزل
لا تحبطي طفلك عندما يخبرك بأنه يريد أن يصبح مهندساً عندما يكبر أو طبيباً، ولا تقطعي الأمل لديه وتذكريه بدرجاته المنخفضة في الرياضيات أو العلوم، وأخبريه بأنك فخورة لطموحه وحسن تفكيره. وسيجد الوسيلة لتحقيق حلمه
اتركي الطفل يجيب عن الأسئلة التي تتعلق به بنفسه، يمكنك أن تقولي: بإمكانه أن يخبرك بنفسه، واتركي الحرية له أيضاً في انتقاء ملابسه، لا تنسي أن الإصغاء إلى مشاعر الأطفال وأفكارهم وتشجيعهم على حل مشاكلهم سوف يعزز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم
-
امنحي طفلي الحرية ليستقل
فرضت تغيرات العصر الحالي الكثير من الأولويات التربوية التي لا بد من مواكبتها؛ حتى يكبر الطفل ليكون فرداً ناجحاً فاعلاً، وأصبحت تربية الطفل ليصبح فرداً يتمتع بالثقة والاستقلالية والاعتماد على الذات هدفاً
في أحيانٍ كثيرة، نتمنَى لو أننا استطعنا أن ننسحب، ونُطلِق لأطفالنا العنان ليكتشفوا الدُّنيا وحدهم، دون إشرافنا، ورُبَّما بإشراف أشخاص بالغين آخرين؛ لمُساعدتهم على أن يصبحوا مُحبين، ومُستقلين، ومُنتجين، وفاعلين في المجتمع وفي البيئة التي تُحيطهم
كل الآباء يريدون طفلهم طفلاً واثقاً بنفسه، قادراً على اتخاذ القرارات بنفسه، لذا لا بد من منحه الحرية أولاً، فالمفتاح لتربية طفل مستقل يكمن في منحه الحرية وتحقيق التوازن في المعاملة، والتحلي بالصبر دون أن تكون متسامحاً جداً، أما توجيه الطفل في كل خطوة فهو أمر سلبي ويفسد قدرة الابن على اتخاذ القرارات
من هو الطفل الاتكالي؟
الأبناء ألاتكاليون يحتاجون دوماً إلى الآخرين لمعرفة تأثير أفعالهم، وبممارسة دور السيطرة من جانب الأهل والذي يعتقدون أنه أفضل لأطفالهم، فهم يزيدون من اتكالية الأبناء، واعتمادهم عليهم مما يؤثر سلباً في شخصياتهم
الطفل ألاتكالي يعتمد على الآخرين في إتمام إنجازاته وأنشطته وتحقيق سعادته؛ حيث إنه لا يملك المسؤولية تجاه أفكاره وعواطفه وتصرفاته
يقدم الآباء المكافأة للطفل بغير مناسبة وبغض النظر عن تصرفاته، وهم يعتقدون أنهم يعملون دائماً ما هو أفضل دون الرجوع إلى رغبات الطفل
غالباً لا يتم أخذ أفكار ورغبات الطفل بعين الاعتبار، والعلاقة بينهما تكون أكثر سلطوية
مواصفات الطفل المستقل
إن كان طفلك مستقلاً، فقد زودته بالاعتقاد بأنه يتمتع بالكفاءة والمقدرة على الاعتناء بنفسه، ومنحته التوجيه والإرشاد في العثور على فعاليات تعزز من شخصيته، ثم منحته الفرصة والتوجيه لاستكشاف مهاراته وذاته، والمساحة الكافية لتحديد أسبابهم الخاصة للنجاح
الطفل المستقل ينمو من خلال العلاقة التعاونية بينه وبين الأهل؛ يستخدمون معه أسلوب المكافأة بشكل جيد؛ كتحفيز خارجي وبدرجة مناسبة للفعل دون مبالغة
الطفل يتخذ قراراته الخاصة بتوجيه من الأهل، لذلك تجدينه يُجيد اتخاذ القرارات أمام الخيارات العديدة المتاحة أمامه
هل تعطي الفرصة لطفلك ليستقل؟
الاستقلالية مفهوم لا يمكن أن يتوصل إليه الأطفال وحدهم، ولا يملكون في مراحلهم المبكرة المهارات الكافية لتطوير الاستقلالية بمعزل عن الأهل، تربية الطفل على الاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية والتمتع بشخصية مستقلة يبدأ بجهد من الأهل
امنحي أطفالك الحب والاحترام، وأظهري لهم ثقتك في قدراتهم، أخبريهم أنهم يملكون التحكم في حياتهم وأنهم مسؤولون عنها، وفري لهم الإرشاد والتوجيه ثم امنحيهم الحرية لاتخاذ قراراتهم الخاص
امدحي طفلك بشكل كافٍ ولكن بحكمة إن كان مستحقاً وحقيقياً، ومدح الطفل في أول مرة ينجح فيها شيء جيد، لكن المديح الزائد وبلا سبب يترك الطفل حائراً بشأن معايير الإنجاز والنجاح، ويفقد المديح والتشجيع معناه الحقيقي
كيف يكبر طفلي ويستقل عني؟
التجارب التي يمرّ بها الطفل: سواء كانت سعيدة أو حزينة، هي ضرورية لبناء الجانب النفسي من شخصيته، فهي تشكّل ممراً يعبره الطفل لبلوغ مرحلة الاستقلالية الذاتية، وتكرارها تعوده على مواجهتها، وتساهم في إرشاده إلى الطريقة الفضلى للتكيف مع مشاكله، كلمات الوالدين البسيطة والمطـمئنة في الوقت المناسب، تحصـد ثمارها مع الأطـفال؛ تشعرهم بالأمان والثقة، فيهدأ خوف الطفل ويعود إليه صفاؤه.
شجعي طفلك على تحمل المسئولية
بعض الأمهات قلقات بعض الشيء، ومتعجلات في رغبتهن في أن يكون أطفالهن مستقلين ومن ثم يدفعونه دفعاً نحو الاستقلال؛ فإنهن يرسلن أطفالهن بعيداً إلى معسكر مدرسي لأيام. والأبناء ليسوا جاهزين نفسياً، والنهج الأفضل هو: تشجيع طفلك بتروٍّ على اتخاذ بعض الخطوات نحو المزيد من الاستقلالية، بأن تدعيه يجرب يوماً في المعسكر بينما تكونين بعيدة عنه طوال النهار لكنك تعودين في المساء لتأخذيه إلى المنزل حيث يشعر بالأمان أثناء الليل
هل تسمحين لطفلك بارتكاب الأخطاء؟
مهم أن تتراجعي وتسمحي لطفلك بأن يخطئ، هناك توازن مطلوب بين أن تحمي أطفالك وأن تسمحي لهم بتحمل نتيجة أخطائهم ، وعندما يُسمح لطفلك بمواجهة العواقب الطبيعية، سيعلم أنه قادر على التعامل مع الأمور واتخاذ بعض القرارات بنفسه
هيا اطلبي المساعدة منهم في المهام الصغيرة، ويمكنك البدء في القيام بذلك في سن مبكرة؛ أن تطلبي من طفلك المساعدة في ترتيب الألعاب بعد الانتهاء منها، أو المساعدة في إعداد الطاولة أو المساعدة في إعداد وجبات الطعام وتنظيف سيارة الأسرة. فعندما يتعلم الطفل المسؤولية، يتعلم أيضاً القدرة على الاستقلال
هل تطلبين الكمال من طفلك ..دائما؟
طفلك ما زال يتعلم ولن يمكنه القيام بالمهام بشكل كامل، لا تطالبيه بالكمال واقبلي ما يمكنه فعله، شجعيه وراعي الظروف وكوني مرنة؛ إذا كان مريضاً أو مرهقاً أو يحتاج للنوم أو خائفاً، اقبلي هذا منه ولا تؤنبيه
أعدي قائمة بالمهام التي ترين أن طفلك في سنّه الحالية يمكنه أن يقوم بها، وأعرضي عليه القائمة واطلبي منه أن يختار مهمة واحدة فقط يبدأ بها، واجعليه يقوم بها بمفرده حتى يتقنها، وبعدها يمكنك إدخال مهمة أخرى
في مرحلة ما، سوف يصبح طفلك بالغاً مستقلاً ووظيفتك كأم أن تساعدي في تعزيز هذا الاستقلال، ويبدأ ذلك معهم عندما يكونون صغاراً جداً، وكلما شعر الطفل بأمان أكثر مع والديه، كان الانتقال أكثر راحة خلال سنوات المراهقة وما بعدها.
(سيدتي)