هي تغيرات اجتماعية وسلوكية جعلت البعض يتجه إلى تحويل أطفالهم إلى سلعة يستفيدون منها سواء بتوظيف حركاتهم أو بعض تصرفاتهم، وتسجيلها وبثّها في فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي أو على اليوتيوب، بهدف تحقيق الربح المالي.
إلا أن ما يغفله الآباء هو تأثير تلك “السلعنة” النفسي والاجتماعي على الأطفال لاحقا، خاصة بعد أن يكبروا ويعرفوا أن تلك الفيديوهات تعود لهم، بعدما كانوا قد نالوا ما نالوه من الانتقادات المُسيئة بحقهم، فيما هم حينها كانوا مسلوبي الإرادة ولا رأي لهم.
قصص من الواقع
قبل نحو عام من الآن، ألقت السلطات الأمريكية القبض على أم تدعى “ماشيل هوبسون” بتهمة سوء معاملة أطفالها السبعة من خلال تصوير لقطات مضحكة لهم وهم في وضعيات مُهينة ونشرها على قناة اليوتيوب الشهيرة “فانتاستك أدفينتشرز” والتي حصدت خلالها على أكثر من 250 مليون مشاهدة.
وخلال تلك اللقطات ظهر الأطفال وهم معلقون بالحبل، كما كان يتم رشهم بالفلفل، وحبسهم داخل خزانة الملابس، وإجبارهم على تقليد حركات بعض الحيوانات، كل ذلك من أجل حصد المزيد من الإعجابات “اللايكات” والمشاهدات ومن ثم تحقيق عائدات مادية من الإعلانات التجارية. ولدى زيارة مسؤولي الرعاية الاجتماعية منزل العائلة في أريزونا، وجدوا عائلة من الأطفال المصابين بصدمات نفسية.
وفي حادثة مشابهة عام 2017، صدر حكم وضع أبويْن هما “مايكل وهيذر مارتن” من ولاية ماري لاند تحت المراقبة لمدة خمسة أعوام كنوع من العقاب النفسي، بسبب رفعهما مقطع فيديو على قناتهما “دادي أوه فايف” على اليوتيوب والتي حققت أكثر من 175 مليون مشاهدة، حيث قام الأبوان بالصراخ في وجوه أطفالهما وجعلهم يبكون بشكل هستيري.
كما اتُهمت أسرة أخرى في العام نفسه بتعريض طفلهم البالغ 8 سنوات للخطر بسبب وضعه مع مربّيته في الصندوق الخلفي لشاحنة صغيرة كانت تسير بسرعة جنونية حول بلدة صغيرة في جنوب كاليفورنيا، وشاهد هذا الفيديو أكثر من مليون شخص.
كلها حالات تؤكد اتجاه بعض الآباء إلى استغلال أطفالهم لأغراض تجارية، حيث يعمدون إلى دفعهم إلى تصرفات وسلوكيات من أجل تصويرهم في مقاطع فيديو تخلق ضجة إلكترونية وتحقق مشاهدات خيالية على مواقع الإنترنت والسوشال ميديا.
خبراء نفس يرفضون
من وجهة نظر الباحث في علم النفس عبد الجبار شكري، يشير إلى أن هذا الأمر قد يتسبب بمشاكل للطفل، خاصة على المدى البعيد، ويقول: “التأثيرات السلبية للسخرية من طفل يظهر في وسيلة إعلامية تنقسم إلى ثلاثة محاور: المحور الأول، يتعلق بفقدان الطفل القدرة على التعبير مستقبلاً. أما المحور الثاني، فيتركز في تراجع ثقته في الآخرين، عندما يجد أن تصريحاته قد تحوّلت إلى مادة لإضحاك الآخرين. والمحور الثالث، يتعلق بشعور الطفل بأنه منبوذ من طرف المحيطين به، وبأن هذه السخرية تمسّه كإنسان وليس فقط حديثه أو بعض تصرفاته.”
كما يحذر شكري من إقحام الأطفال في مواد إعلامية مخصصة لإضحاك الكبار، مؤكدا على أن الأداة الإعلامية بالنسبة لطفل في مراحل نموه الأولى في غاية الخطورة. وأي فعل يجعله مشهورا قد يعرقل نموه العقلي والفكري، وقد يتسبب له في مضاعفات نفسية خطيرة. لذلك، فإن البرامج التي يظهر فيها الأطفال تكون عادة محدودة ومختارة بعناية فائقة.
ومن رأي المتخصص في الدراسات الاجتماعية الدكتور فارس العمارات، فيرى أنه من غير المقبول استغلال البراءة وتحويل الأطفال إلى تجارة غير مقبولة اجتماعيا من أجل المال فقط أو اللايكات والشهرة، لذا لا بد من الرقابة على سلوكيات كهذه وإيقافها حتى لا تذوب طفولة الأطفال في مستنقع الربح والخسارة.
وجوب إدراج خصوصية تحمي الأطفال
وبالحديث عن سياسات الخصوصية التي وضعتها معظم مواقع التواصل الاجتماعي، نجد أن موقع كموقع يوتيوب قد أدرج بنودا حول سلامة الأطفال، مثل “منع نشر فيديوهات لأفعال ضارة أو خطيرة تحتوي على قاصرين، بما في ذلك الأعمال الخطيرة أو الجريئة أو المقالب.”
وتقوم حاليا شركة يوتيوب بالعمل على إصدار تطبيق خاص للأطفال كمشاهدين وليس كممثلين، لكن الغريب في الأمر هو عدم وضعها قيودا أكثر حزما من أجل الحد من تحميل فيديوهات مسيئة للأطفال على موقعها الخاص بالكبار، وهذا تناقض يبدو واضحا، خصوصا أنها تقوم أحيانا بإدراج عبارات تقول: “يرى بعض مستخدمي يوتيوب هذا المحتوى مسيئا وغير مناسب” ومع ذلك يبقى متاحا للمشاهدة.
(فوشيا)