قصة بلون أحمر
الصورة الأخيرة على صفحة منال على فايسبوك هي لزوجها وطفلتيها. وفي أيلول 2019 نشرت منال رسالتها على مجموعة “مساحة حب ودعم للنساء” جاء فيها:
“إسمي منال وعمري 32 سنة، زوجي حبيبي ورفيقي وسندي الوحيد بهالحياة. وعنا أجمل بنتين بالدني. أنا معلمة رياضيات خلصت ماستر من سنة بدعم من زوجي وماما أكيد، وناوية كمل دكتوراه…
تعرفت على زوجي بعد ما خلصت جامعة بسنتين، حبينا بعض خطبنا حددنا موعد كتب الكتاب والعرس… لحد ما قبل بأسبوعين من كتب الكتاب بخسر يلي كان سندي ورباني وعلمني، وبس طمن بالو في صار حدا حدي تركنا وراح… هلق وبعد 6 سنين بعدني كل ما إتذكرو ما فيي وقف بكي. كل ما شوف شيخ ختيار وعالعصاية بيكرجو دموعي بلا ما حس…
هلق بقول الحمدلله، الله عوض عليي بجوزي وحنيتو… وبقول كمان الحمدلله عرفت إختار أفضل بي لولادي!”.
عندما نشرت منال كلماتها هذه، نشرتها في صفحة مغلقة يتشارك فيها نساءالمجموعة قصصهن وما هو داخل المجموعة عير قابل للنشر. أي أن كلمات منال لم تكن لتصل إلى زوجها، فما الداعي لأن تكذب منال في رسالتها؟ أي أن منال أحبّت زوجها بصدق واعتبرته السند والأمان وكلماتها جاءت بعد سطور طويلة تحدثت فيها عن مراحل أليمة في حياتها لتختمها بأن زوجها هو تعويض لها عن كل ما مرّت به من ألم.
وفي تفاصيل حادثة بعقلين التي ضج بها لبنان بعد ظهر الثلاثاء 21 نيسان الحالي، وكانت منال تيماني من ضحاياها، أن المشتبه بهما زوجها مازن حرفوش وأخوه فوزي نفَّذا – بحسب وسائل الإعلام اللبنانية – عملية قتلٍ متسلسل بدأت بقتل منال بطعنها ثلاث طعنات بسكينٍ حربي، ومن ثم أجهز المشتبه بهما على ضحاياهما السوريين الخمسة، من بينهما طفلين أحدهما في عمر الخامسة عشرة والثاني في العاشرة، وآخرين لبنانيين أحدهما من بلدة بعقلين (شقيق مازن الصغير).
السوريون فوراً
ولكن في حديث لـ “المدن” مع نسرين صديقة منال المقرّبة، روت نقلاً عن رواية أهل الزوج أنه، أي مازن حرفوش، كان على خلاف مع معلّم بناء سوري يدين مازن له بالمال. وعندما طالبه العامل السوري بأجرته قال له مازن: “لا أملك المال الآن، لا أستطيع الدفع في هذه الفترة”، فأجاب العامل: “أنا بعرف كيف آخذ حقّي بيدي”. وحسب إفادة الأهل أيضًا فإن مازن وأخاه كانا في الصيد، وعندما عاد إلى المنزل وجدا منال مقتولة، “فجُنّ وبدأ بقتل السوريين”.
وحسب نسرين يرى أهل منال أن هناك قطبة خفية وأمر مخفي. ومن التساؤلات التي يطرحها المقرّبون من منال أن مازن لم يذهب وحيدًا إلى ورشة البناء للانتقام، بل ذهب برفقة أخيه فوزي. أي ليس الدافع وراء ما حصل مقتل منال فقط بل مقتل شقيقهما الثالث، وهم من ضمن ضحايا الحادثة المروعة.
وبحسب ما أفادتنا نسرين أن علاقة منال بزوجها كانت جيّدة، وأن الفقيدة كانت تحب زوجها كثيرًا، ولم تلاحظ صديقات المجموعة النسائية يومًا أي استياء من منال من علاقتها بزوجها، أو شكوكًا بأنّها تتعرّض لأي تعنيف أو إساءة منه.
تقول نسرين: “أعرف منال منذ سنوات خمس. ولم نلاحظ يوماً في المجموعة – التي نتبادل فيها بعض أسرار حياتنا الخاصة – سوى الحب في علاقتها بزوجها. لقد كان يتعاون معها في الأعمال المنزلية وفي تربية طفلتيهما”. وكان همّ منال من تحصيل الماجيستر مساعدة زوجها في تأمين حياة أفضل لابنتيهما. وكانت قد تولّت بنفسها تحمّل تكاليف المنزل، لأنّ زوجها لم يحصل على راتبه في الأزمة الراهنة.
وبحسب نسرين، تجمع مازن وأهل منال علاقة طيّبة حتى أن أم منال تقول: “ليت لي ولدًا كمازن” وهم اليوم في انتظار نتائج التحقيقات ويرفضون توجيه الاتهامات.
لا جريمة شرف
وتنفي نسرين ما أشيع بأن وراء الحادثة “جريمة شرف”. فمنال خارج شبهات من هذا النوع: “هي سيّدة محافظة وتربّت في بيت أجاويد”. والشائعات الجارحة التي انتشرت بعد حادثة بعقلين، وما قاله النائب مروان حمادة (جريمة شرف) دفع خلوة مشيخة عقل آل حمادة في بعقلين وعائلة منال، إلى نشر بيان استنكروا ورفضوا فيه توجيه الاتهامات إلى منال “لأنها أشرف من كل ما قيل أو يقال عنها”.
فهي الأم التي تهتم بطفليتها، بثيابهما وشؤونهما. وهي المرأة المكافحة والتي حرصت على تحصيل شهادة ماجيستر في الرياضيات من الجامعة اللبنانية. وقُتِل معها حلم إكمالها الدكتوراه. وكانت تزرع الفرح والطاقة الإيجابية في نفوس زميلاتها في المجموعة كل صباح. صديقة الجميع، وتحرص كل صباح في جلسة عشر دقائق لتتبادل المعلّمات ملاحظات إيجابية.
وتفقد مجموعة النساء الصديقات منال وكذلك مدرستها. فهي المعلّمة التي لا تتردد في مساعدة تلميذاتها.
وفي المقابل يعيش العمال السوريون في بعقلين والشوف وربما في لبنان عموماً، حالاً من الخوف بل الهلع بسبب الحادثة، التي يجب ألا تتطور تبعاتها إلى مضاعفة العنصريّة ضد السوريين.
تقول فرح أبي مرشد مؤسسة مجموعة “حب ودعم للنساء”: “انشروا رسالة منال. ما قالته من كلمات حب عن زوجها، من دون أن يراها. انشروا رسالتها لتصل كلمات منال للجميع”.
هي جريمة قد تحال إلى شبهة بغدر عامل سوري خائف وجاهل. كما تنطوي على استضعاف السوريين وأخذهم كلهم بجريرة واحد منهم (إن صحت هكذا رواية)، ومعاملتهم معاملة غير إنسانية وعنصرية أحياناً. جريمة ذهب ضحيتها 9 أشخاص بسلاح شخص واحد في يوم واحد.
(المدن – زينب كنعان )