إذا كان الطلاق صدمة بالنسبة للزوجين، فإنّه بالنسبة لأطفالهما كارثة يصفها علماء النفس بأنّها تشبه بعثرة الدنيا وإعادة تركيبها رأسًا على عقب.
في كلّ أعمار الأبناء يكون طلاق الوالدين صعبًا عليهم، لأنّهما عمود البيت ومصدر أمنه، وانفصالهما يكون أشدّ قسوة على الأطفال وأعمق وجعًا وأطول أثرًا إذا حصل، تحديداً أنّه وفي أعمارهم الصغيرة تتشكّل قيمهم ومنظوماتهم العاطفية والعقلية ومهاراتهم التعليمية.
هذه حقائق يعرفها الآباء والأمهات معرفة نظرية. لكنهما عندما يقرران الانفصال، بالتراضي أو بالمحاكم، يغيب عن بالهما أنّ ما يفعلانه يتجاوز الصّدمة الآنية عليهما، ليصيب الأبناء بتشوّهات نفسية تبقى معهم طوال حياتهم. وليس أدلّ على ذلك من أرقام الانحراف والجريمة والرّسوب المدرسيّ.
منظر الفاجعة على وجوه الأطفال
تقول اختصاصيّة تربية الطفل هديل الجعبري إنِّ المشكلة لا تنحصر بالطلاق كقرار له ظروفه وإجراءاته وتداعياته الشخصية على الزوجين. فقد يكون الطلاق في بعض الأحيان الحلّ الأمثل والبديل عن تصاعد المشاكل اليومية بين شريكي الأسرة. لكنّ المعضلة الأكبر مرتبطة بأطفالهما والانعكاسات التي سيتلقونَها من تشتت وعدم استقرار وإهمال من كافة الجوانب.
أول ما يتوجّب على الأبويْن أنْ يسجّلانه أثناء إجراءات الطلاق، ولن يغيب عن ناظريهما طول العمر، هو الفاجعة التي ستظهر على وجوه الأبناء لتحفر مكانها طول عمرهم؛ فالطفل الحزين تظهر ملامح الحزن عليه سريعًا، لأنّ براءته تعيقه عن إخفائها.
ثمّ يأتي بعد ذلك مستوى تحصيلهم العلميّ؛ فأكثر الأشخاص القادرين على معرفة واكتشاف سر تراجع أداء الطفل وضعف تركيزه في المدرسة هم المعلمون. فغالبيّة الوقت الذي يقضيه الطفل في المدرسة، كفيل باكتشاف المعلمة حالة التّوهان وقلّة التركيز والبكاء أو الانعزال عن زملائه أحيانًا.
ما بين الحسّاسية والعدوانيّة
إذا وجد الزّوجان راحتهما في الانفصال، فهما بكلّ تأكيد لا يدركان مدى تأثيره على قدرات طفلهما بشكل كبير، وحجم انعكاسه على سلوكه مع أقرانه في المدرسة. فيصبح الطفل، كما تصفه الجعبري، شديد الحساسية لأيّ مسألة بسيطة، وعدوانيًا في الوقت نفسه، وقد يعتدي على زملائه بالضرب أو الشتائم، ثم يمثّل أمام المعلّمة أنّه الضّحية من خلال لجوئه للبكاء كوسيلة لاستعطاف المعلّمة.
ومن جهة أخرى، تضعف ثقته بنفسه وبالآخرين، إذْ يرى فيهم إمكانية التخلّي عنه كما فعل معه أبواه، وفي بعض الأحيان، يلتزم الصّمت ولا يتكلّم إلا إذا أجبرته المعلّمة على ذلك، ويمكن أنْ يتحدّث مع نفسه لاعتقاده بأنْ لا أحد يفهمه ويعرف احتياجاته إلا هو شخصيًا.
هي مسألة تراها الاختصاصيّة الجعبري، تدعو للاهتمام العميق جدًا والوقوف عندها طويلاً، لتسجيل حجم التّشوّه النفسيّ والشطط السلوكيّ والتخلّف في الأداء التعليميّ والعجز عن اكتساب المهارات المفترضة، وكلّها تتراكم وتتقاطع في سلوكيات الطفل الذي فقد مصدر الأمان والرعاية في البيت.
هل تصلح المعلّمة بديلاً للأمّ؟
طبيعيّ أنْ تكون هناك طُرق لرعاية وتربية لهؤلاء الأطفال، لتقليل حجم التشوّه الذي يحفره طلاق الأبوين في تركيبتهما العقلية والنفسية، وهو ما تتحمّل مسؤوليته المدرسة مع الأهل،كما تقول الجعبري.
بعد التعرّف على الملف العائليّ للطفل، يُفترض العمل على معالجته نفسيًا، بدءًا من التحدّث مع أبويْه، وتبيان حجم معاناة ابنهما في المدرسة، ومدى تدنّي مستواه التعليميّ، ومعاناته النفسيّة، لربّما يجدان السّبل الكفيلة لحلّ مشكلة ابنهما.
ومن جانب المدرَسة، فدورها يُملي عليها الاهتمام بحالة هذا الطفل ودعمه على الصعيديْن النفسيّ والمعرفيّ والبقاء إلى جانبه.
أوّل المطلوبات هو التعامل معه من منطلق أبويّ قبل التعلّم المدرسي، إلى جانب استعادة ثقته بنفسه، ومراعاة الظروف التي يعيشها والاهتمام بالجانب المعرفي ليكون مميزًا أسوة بأقرانه، قادرًا على حل واجباته ودراستها، وكي لا يتعرّض لمضايقات من زملائه إنْ شعر باختلافه عنهم، ولا يتعرّض إلى عنف طلابيّ يجعله عدوانيًا انطوائيًا.
وإنْ ضاقت الأمور بالمعلّمة ذرعًا، يمكنها عرضه على مرشدة المدرَسة ليعبّر عمّا يجول في خاطره.
وتختتم الجعبري حديثها بالقول: إنْ كان الطلاق في أوقات كثيرة هو الحلّ الأسلم للأسرة بأكملها، فإنه يُفترض بالأبويْن قبل اهتمام كلّ طرف بحياته وسعادته، أنْ لا ينسى الواحد منهما طفله الذي تخلّى عنه في ظلّ حاجته له. لكنّها الأنانية في معظم الأحيان التي تجعل الزوجين ينفصلان دون معرفة حقيقية بما يسبّبانه لأطفالهما من شروخ عميقة لا تفارقهم بقيّة حياتهم. والرّهان الأقوى في كلّ الأوقات يقع على الزوجة وما يقال عن استعدادها الفطريّ للإيثار والتضحية.
(فوشيا)