من المؤكد أن تربية الأطفال تتطلب الكثير من الجهد والتعب من الوالدين، وخاصة من الأم التي تقضي معظم وقتها مع طفلها الذي يعمد منذ ولادته إلى تقليدها في كل ما تقوم به من أجل إتمام مهماته اليومية البسيطة والمعقّدة. لذلك تتطلب التربية الصحيحة للطفل أن ينشأ في ظروف معينة يتوجب على الوالدين تأمينها له، لكن في بعض الأحيان قد يخطئ الأهل في تربية أطفالهم من دون أن يشعروا بذلك… فما هي أبرز الأخطاء الشائعة في تربية الطفل؟ وكيف يمكن الأهل تجنّبها؟
● كيف يقع الأهل في هذه الأخطاء؟
إن تنشئة طفل سوي نفسياً تشير إلى التربية السليمة التي تلقّاها من أسرته، والتي تلعب دوراً أساسياً في تكوين شخصيته وتحديد سلوكه. وهذا الأمر يدركه جميع الأهل بالتأكيد، وهم لذلك يحاولون تربية أبنائهم ليصبحوا أفضل، إلا أنهم قد يقعون في فخ الأخطاء الشائعة في التربية ولأن عدداً قليلاً من الآباء والأمهات تعلموا الطرق الصحيحة في تربية أطفالهم، فهم يعتمدون أساساً على غريزتهم الطبيعية التي تقودهم في الكثير من الأحيان إلى القيام بردود فعل معينة وقد يختار بعض الأهل اللجوء الى الاختبارات السابقة والموروثة في تعاملهم مع أطفالهم، لكن هذه المعلومات والخبرات لا تكفي في تربية الأطفال، فلكل طفل حاجات مختلفة وردود أفعال مغايرة عن الأطفال الآخرين، ولهذا السبب يرتكب الأهل أخطاء في التعامل مع أطفالهم في مراحلهم العمرية المختلفة.
● ما هي الأخطاء الأكثر شيوعاً في تربية الأطفال؟
تختلف الأخطاء التي يرتكبها الوالدان باختلاف البيئة التي ينشأ فيها الطفل، بالإضافة إلى مستواهما العلمي، ومدى قدرتهما على مجاراة الواقع، إلاّ أن كثراً يتشاركون بعض الأخطاء، وأبرزها:
الدلال المفرط وعدم قول كلمة «لا» الدلال المفرط للطفل ودفعه للاعتقاد بأنه شخص مهم في حياة والديه ويستحق المزيد من الحبّ والعطاء، سواء كان ذلك مادياً أو معنوياً، له عواقب وخيمة، ومن المحتمل أن يكبر الطفل الذي كان مدللاً بشكل مفرط ليعتقد أنه مميز جداً ويستحق معاملة خاصة، وهو ما يؤدي إلى فشل علاقاته الشخصية، وفي الكثير من الأحيان يفشل هذا الطفل في تكوين صداقات أو في الزواج بسبب رغبته الدائمة في الحصول على الاهتمام لكونه اعتاد على ذلك منذ طفولته. لكن ثمة ما يفوق الدلال المفرط خطورةً، وهو الدلال المترافق مع عدم قول كلمة «لا» أبداً للطفل، وخاصة إذا كان أحد الوالدين يقوم بهذا الأمر بينما يتجنّبه الطرف الآخر، فهذا يولّد لدى الطفل الشعور بأنه قادر على تفادي الرفض باللجوء إلى أحد والديه، وبأن كل ما يقوله صحيح من دون أي نقاش أو جدال، وبالتالي سيتأثر في حياته في ما بعد، وخاصة في العمل الذي يتطلب من الشخص تقبّل الرفض.
– اختلاف الرأي بين الوالدين
من أكثر الأخطاء شيوعاً في تربية الأطفال، عندما يعاقب أحد الوالدين الطفل ويحاول الطرف الآخر التدخّل لمنع هذا العقاب أو كسره في غيابه والتكتم على الأمر. فهذا السلوك هو من أكثر السلوكيات خطورةً في التربية، ويشدّد الكثير من اختصاصيي علم النفس على أن هذا السلوك يُعلّم الطفل الكذب والخداع وعدم إدراك أخطائه، ويعزّز الانقسام في الأسرة على المدى البعيد حيث ينجذب الطفل إلى الطرف المتسامح وينفر من الطرف الحازم. كما يجعل الطفل مشتتاً بين الأوامر المتضاربة للأب والأم، مما ينعكس على شخصيته وسلوكه في وقت لاحق حيث يفشل في تكوين أسرة متفاهمة ومتوازنة، لكونه اعتاد على العيش في جو أُسري يسوده الاختلاف الدائم بين آراء والديه.
– استخدام أساليب التهديد والإهانة اللفظية
يجب على الأهل ألاّ يُشعروا طفلهم بأنهم لا يحبّونه نتيجة تصرفاته، أو جعله يشعر بالذنب لقيامه بأي تصرف لا يرغبون هم فيه، فهذا الأسلوب قد يحقق الهدف المراد منه على المدى القصير إذ يجعل الطفل يرضخ لتوجيهاتهم، ولكنه يغرس في الطفل الشعور بالنقص وفقدان الثقة بالنفس ويحد من تفاعله مع الآخرين ليصبح شخصية انطوائية، خصوصاً أنه اعتاد أن يحبّه أهله فقط عندما يقوم بالتصرف الصحيح، الأمر الذي يجعله ضائعاً ومشتتاً في ما بعد بين من يحبّه بمختلف حالاته، ومن يحبّه فقط إذا أحسن التصرف.
وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من خطورة اللجوء إلى الإهانة اللفظية كأسلوب لتقويم سلوك الطفل، يعتمد الكثير من الآباء هذا السلوك الذي لا يُساعد في غرز أي قيمة تربوية على الإطلاق، بل على العكس يؤدي إلى تشويه نفسية الطفل وتربيته على الخوف، مما يُضعف ثقته بنفسه.
– عدم استيعاب مقدار نمو الطفل الفعلي
عادةً ما يتوقع الآباء والأمهات أن أطفالهم قد أصبحوا يملكون قدرات تفوق تلك التي يتمتعون بها بالفعل. فعندما يُظهر طفلهم قدرات لغوية متقدّمة، أو يعبّر أسلوبه في التحدث عن بلوغ عقلي، يعتقدون أن لديه الدرجة نفسها من النمو العاطفي والاجتماعي، فيتوقعون أن يقوم بتصرفات كالرجل الراشد رغم عدم بلوغه هذه المرحلة بعد، وهذا يخلق فجوة في التعامل ويُشعر الطفل بالتقصير، بينما ينتاب الوالدين شعور بأن طفلهما مُهمِل أو لا مبالٍ لأنهم يتوقعان منه المزيد، وفي المقابل قد يصل الطفل إلى مرحلة عمرية يصبح فيها جاهزاً للاعتماد على نفسه بعيداً من أهله، إلّا أن الوالدين دائماً ما يُشعرانه بأنه ما زال طفلاً صغيراً وغير قادر على الاعتماد على نفسه، وهذا ما يجعل الطفل اتّكالياً يعتمد على غيره في كل شؤون حياته المستقبلية.
– المقارنة
من المؤكد أن عند التحدّث عن المقارنة سنلاحظ أن الجميع وقع في هذا الخطأ، فعلى عكس ما يعتقد البعض من أن مقارنة الطفل مع أصدقائه أو أقربائه قد تحفّزه على تحقيق المزيد من الإنجازات، أظهرت الدراسات أن مقارنة الطفل بغيره قد تشوّه شخصيته وتفقده ثقته بنفسه وتُشعره بالنقص، فلكل طفل مهاراته وقدراته الخاصة التي تميّزه عن الأطفال الآخرين، ويكمن دور الأهل في مساعدته على اكتشاف ما يميزه، لا ما يجعله مجرد صورة عن أطفال آخرين يعتقدون أنهم أفضل منه. ومن الضروري التركيز على أهمية إعطاء الطفل حريته ليعبّر عن شخصيته الحقيقية من دون إجباره على التطبّع بشخصية طفل ناجح آخر، فهذا التصرف سيمنعه في المستقبل من تكوين شخصية خاصة به ومستقلة .
● كيف يتجنّب الأهل الوقوع في هذه الأخطاء؟
بما أن هذه الأخطاء تؤثر سلباً في نفسية وشخصية الطفل على المدى البعيد، فعلى الأهل القيام ببعض الخطوات لتجنّب الوقوع فيها، ومنها:
أولاً: على الوالدين تفادي الاختلاف في وجهات النظر في ما يتعلق بالعقاب، وتوجيه الطفل إلى السلوك الصحيح كي تتكوّن لديه صورة واضحة عن شكل العقاب الذي سيتلقاه في حال أخطأ.
ثانياً: على الأم أن تتحدث دائماً مع طفلها وتكتشف نقاط القوة التي يتميز بها والتي من الممكن أن تجعله ناجحاً في المستقبل، وبالتالي تتجنّب مقارنته مع أقرانه أو أشقائه، وتحرص على أن تقول له دائماً إنه الأفضل بين أقرانه.
ثالثاً: على الأم ألا تستخدم الألفاظ المسيئة في معاقبة طفلها، فهذا الأسلوب في التربية لن يجدي نفعاً، بل على العكس سيتسبّب بأذى نفسي يرافقه مدى الحياة، والأجدى أن تناقشه في الخطأ الذي ارتكبه وتشجّعه على الاعتراف بأخطائه، وتذكّره من دون مقابل، لكن عندما يخطئ ستنزعج منه، وبهذه الطريقة سيتعلّم كيف يعتذر عن كل ما بدر منه.
(لها)