في الحلقة الأخيرة من برنامج شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب المذاع على القناة الفضائية المصرية، دعا الإمام الأكبر المجامع العلمية والبرلمانات لسن تشريعات تجرّم ضرب الزوجة والأطفال وكل أشكال الاعتداء البدني. وجاءت الدعوة وسط سجالات محمومة فجرتها تصريحات للشيخ في برنامجه الرمضاني، تقول إن القرآن أباح ضرب الزوجة الناشز ضرباً رمزياً (بالسواك أو فرشاة الأسنان مثلاً) كنوع من العلاج، للحفاظ على الأسرة. الدعوة الجديدة لم تطفئ الجدل المشتعل أصلاً، بل صبّت المزيد من الزيت على النار، وفجّرت السجالات مجدداً.
وقال الشيخ في حلقته الأخيرة، بحسب بيان أصدرته مشيخة الأزهر: “إن ضرب الزوجة أصبح من الأمور التي تسبب لها أذى نفسياً ينعكس سلباً على الأسرة، وقد كان ابن عطاء – فقيه مكة المعروف – من أوائل الذين رفضوا الضرب، ولم يعتبره مناقضاً لما جاء في القرآن، لأن الضرب (الرمزي) مباح لك أن تأتيه وأن تدعه، ولا مانع لدينا في الأزهر من فتح النقاش في هذا الأمر بين العلماء. أتمنى أن أعيش لأرى تشريعات في عالمنا العربي والإسلامي تجرّم الضرب”.
البعض رأى في تلك الدعوة تراجعاً عما قاله شيخ الأزهر خلال شرحه لكلمة (واضربوهن) في الآية 34 من سورة النساء، فيما رآه آخرون تأكيداً على قناعات الدكتور الطيب التي ظل يرسخها على مدار 30 حلقة من برنامجه الرمضاني.
“لا أمل”
يقول النائب البرلماني المصري محمد أبو حامد لـ”النهار”: “في الحقيقة لم أعد أفهم ما الذي يريده الدكتور أحمد الطيب، ويؤسفني أن أقول إن ما يفعله الآن يعد نوعاً من أنواع المغازلة السياسية. ربما الرأي الذي قاله في البداية، هو الذي يعبر عن فكره الحقيقي، فقد قال إن الضرب مباح، وإنه نوع من العلاج للمرأة، وهذا الكلام مسجل بالصوت والصورة”.
ويتساءل أبو حامد الذي يعد من أبرز المطالبين بتجديد الخطاب الديني منذ ثورة 25 كانون الثاني من العام 2011: “ما الذي يعنيه أن يأتي الدكتور الطيب بعد يومين من حديثه عن إباحة ضرب المرأة، ويطالب بأن تسن تشريعات لتجريم الضرب؟ ما أفهمه، هو أنه لاحظ حجم الرفض الذي ضج به المجتمع، وتالياً خرج بما يشبه التصريحات السياسية”.
ويضيف النائب البرلماني: “نحن نحاول منذ سنوات مع فضيلة الإمام بهدف تجديد الخطاب الديني. اليوم لم يعد لدي أي أمل في التجديد، وآسف أن أقول هذا، أنه طالما ظل فضيلته على رأس الأزهر، بهذه الطريقة في التفكير التي قد تعبر عنه، أو عن المجموعة المؤثرة داخل المؤسسة، والتي يسترضيها الدكتور الطيب، فإنه ليس هناك أمل في أي إصلاح ديني”.
“قناعة راسخة”
ومن جانبه يشير أحمد الصاوي رئيس تحرير “صوت الأزهر” الجريدة الرسمية للمشيخة إلى أن “مجمل حلقات برنامج شيخ الأزهر، تم تخصيصها للحديث عن المرأة والأسرة، وكان الإمام الأكبر ينتصر فيها لحقوق المرأة ويدعو لعلاقات طبيعية وعادلة بين الرجل والمرأة”.
ويقول الصاوي لـ”النهار”: “إن حلقات البرنامج اهتمت بكثير من المحاور وطرحت فهماً مختلفاً، ومن ثم يجب النظر إليها مجتمعة، وليس إلى جملة واحدة قالها في سياق شرح آية قرآنية في إحدى حلقات برنامجه. ومن بين أهم ما طرحه الإمام الطيب في برنامجه، أنه قدم تصوراً جديداً لفكرة قوامة الرجل على المرأة”.
ويضرب رئيس تحرير الصحيفة الأزهرية أمثلة لما طرحه الإمام الأكبر في برنامجه: “إن الإسلام احترم المرأة وأعطى لها ذمة مالية مستقلة، ومنع الزوج من الاقتراب من مالها إلا برضاها، في حين نجد أن ذمة الزوج المالية مشمولة بحقوق للزوجة لا يمكن أن يتبرأ منها، وبالتالي فإن القوامة لا تعني سيادة الزوج وتسلطه كما يدعي البعض”.
ويضيف الصاوي: “طاعة الزوجة لزوجها ليست من قبيل القهر أو التسلط أو معاملة المرؤوس لرئيسه، وأن حق الطاعة بالنسبة للزوج ليس على إطلاقه، وإنما هو مقيد بأمور كثيرة، أولها أن تكون الطاعة في ما يتعلق بشؤون الأسرة، ثانيها أن لا يأمرها بمعصية أو بمحرم”.
وحول نظر البعض إلى دعوة الطيب لسن تشريعات تجرّم الضرب باعتبارها تراجعاً عما صرح به، يقول رئيس تحرير “صوت الأزهر”: “إن كلامهم مردود عليه، لأن الثلاثين حلقة التي قدمها الإمام خلال شهر رمضان تم تسجيل معظمها قبل إذاعته. وآخر أسبوع من الثلاثين حلقة تم تسجيله دفعة واحدة، وجرى تحديد الموضوعات مسبقاً، والمسودات الخاصة بالحلقات كتبت قبل التسجيل، وبالتالي حديث الشيخ مبني على قناعاته الشخصية، وليس رد فعل لما أثير في مواقع التواصل الاجتماعي”.
“يجب ألا ننسى أن من بين مساعي الدكتور الطيب للانتصار لحقوق المرأة، تصديه لجريمة التحرش” يقول الصاوي، متابعاً: “لقد رد الدكتور الطيب على من برروا هذه الجريمة بذريعة ملابس المرأة، لقد أكد فضيلته على أن التحرش جريمة مرفوضة دينياً. إن كل معاملات شيخ الأزهر وفقهه وأحاديثه تؤكد أنه يحترم المرأة وكرامتها ولا يقبل التجبّر عليها أو على أي إنسان”.
“التصدي للتطرف”
وحول تأثير تصريحات شيخ الأزهر على التيارات الدينية المتشددة، التي قد تتخذها حجة للتعدي على حقوق المرأة واضطهادها داخل المجتمع الذي تأثرت قطاعات واسعة منه بالفكر السلفي خلال العقود القليلة الماضية.
يقول منير أديب الخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي والإرهاب الدولي لـ”النهار”: “إن الدولة في الإسلام تعاقب مواطنيها عقاباً بدنياً، إذا ارتكبوا أخطاء من نوعية معينة، وقد يصل العقاب البدني إلى حد الجلد، ومن هنا نرى أن فكرة الثواب والعقاب حاضرة في المفهوم الإسلامي، ولا يمكن إنكارها، وإنكارها يحدث كارثة”.
“إن التيارات السلفية والجهادية فهمت الدين خطأ، وسوف تفهم ما يطرح عليها بصورة مشوّهة، ومن الخطأ الشديد أن تقوم المؤسسة الدينية بتحريم ما أحله الله، أو تحليل ما حرمه الله، خشية أن تستخدم تلك التيارات هذه الفتاوى. بمعنى أن المؤسسة الدينية لو خرجت وقالت على سبيل المثال لا يوجد جهاد في الإسلام. هنا تكون وقعت في خطأ كبير، وشجعت التيارات الجهادية والسلفية على المزيد من التشدد، الأفضل هو أن تقول المؤسسة إن هناك جهاداً في الإسلام، ولكن له محددات وشروط”.
“مشكلتنا مع التيارات المتعصبة أنها تفهم خطأ” يقول أديب، “بالتالي فمن الصحيح أن تعمل المؤسسة الدينية على توضيح الصورة الصحيحة للإسلام، وتوضح لأتباع تلك التيارات أن فهمها خطأ. لو فعلت المؤسسة الدينية خلاف ذلك، فإنها تتيح المجال واسعاً أمام التيارات الجهادية والسلفية للانفراد بالمشهد، وسوف يتصور الناس أن تلك التيارات هي التي تعبر عن الدين الإسلامي وتقدم الفهم الصحيح له، وهذه كارثة يجب أن لا نسمح لها بالحدوث”.
(النهار)